حدث كارينغتون... كيف يمكن لعاصفة شمسية أن تغير مستقبل البشرية؟
moohim | لكل شيء مهم moohim | لكل شيء مهم
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

المحرر / أهلا وسهلا بكم

حدث كارينغتون... كيف يمكن لعاصفة شمسية أن تغير مستقبل البشرية؟

العواصف الجيومغناطيسية

شهد العالم في اليوم الأول من شهر سبتمبر من عام 1859م  حدثاً مرعباً لم يشاهده من قبل, حيث تعطلت فجأة وبدون سابق إنذار كافة شبكات التلغراف في أوروبا وأمريكا الشمالية, كما فوجئ الموظفون العاملون في مكاتب التلغراف انبعاث شرارات إصابتهم حينها بصعقات كهربائية, أدت تلك الشرارات في بعض الأماكن إلى احتراق الأوراق في داخل مكاتب التلغراف وكذلك أعمدة الكهرباء اشتعلت في الكثير من الأماكن وتطايرت منها شرارات كهربائية, مما أدت إلى حرائق محدودة في المناطق السكنية.

وفي نفس الوقت، انبهر الناس في مختلف أنحاء العالم، بمشاهدة أضواء الشمال (الشفق القطبي)، التي كانت تضيء السماء بألوان زاهية وجذابة. وكانت هذه الأضواء غير عادية، لأنها ظهرت في مناطق لا يعتاد سكان تلك المناطق رؤيتها، مثل هاواي والمكسيك وجنوب اليابان وجنوب الصين وكولومبيا. وكانت هذه الأضواء قوية،لدرجة أن بعض الناس استطاعوا قراءة الصحف في منتصف الليل دون حاجة إلى أضواء أخرى. كل هذا نجم عن ما عُرف لاحقاً باسم (حدث كارينغتون).

لكن السؤال: ماذا سوف يحصل لو وقع حدث كارينغتون في عصرنا الحالي, ماذا سوف يكون مصير الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت وخطوط الكهرباء والاتصالات والتكنولوجية المتطورة؟, مثل الالكترونيات الموجودة في كافة جوانب حياتنا, حينها بكل تأكيد سنرى الحضارة البشرية تنهار أمام أعيننا ولن نستطيع فعل أي شيء.

ما هو حدث كارينغتون؟


حدث كارينغتون.. والخوف من عاصفة شمسية  قد تدمر الحضارة البشرية
عالم الفلك الانجليزي ريتشارد سي كارينغتون أول من رصد أقوى عاصفة شمسية ضربت الأرض

حدث كارينغتون هو اسم لأقوى عاصفة شمسية جيومغناطيسية تم رصدها في التاريخ الحديث وذلك عام 1859م, جاءت التسمية نسبة إلى عالم الفلك الانجليزي ريتشارد سي كارينغتون, حيث قبلها بساعات شاهد ريتشاد من خلال تلسكوبه والذي كان من خلاله يرصد الشمس تكون بقع بيضاء تتجمع بجانب بعضها البعض على سطح الشمس, ولاحظ انبعاث ضوء ابيض ساطع من تلك البقع, ولكن هذا الضوء الأبيض سرعان ما اختفى فجأة وبعدها بساعات شهد سكان العالم أقوى عاصفة شمسية جيومغناطيسية, والتي تسببت حينها بإتلاف وتدمير كافة شبكات التلغراف, والتي كانت تعتبر في زمنهم مثل شبكات الانترنت في زمننا الحالي.

ما هي العواصف الشمسية؟


حدث كارينغتون.. والخوف من عاصفة شمسية  قد تدمر الحضارة البشرية
البقع البيضاء التي تتكون على سطح الشمس والتي تسبق العواصف الشمسية 

العواصف الشمسية عبارة عن كميات هائلة من الطاقة تنطلق من الشمس إلى الفضاء الخارجي, ويسبقها في الغالب بقع بيضاء منخفضة الحرارة, وتتكون في المناطق التي يكون فيها النشاط المغناطيسي مكثف على سطح الشمس. حيث تتعرض الأرض من وقت لآخر لرياح شمسية تكون محملة بجزيئات وكم هائل من الطاقة, والتي تنجم من الانفجارات الشمسية على سطح الشمس, ولكن معظمها يتشتت بفعل المجال المغناطيسي للغلاف الجوي للأرض, لهذا لا نشعر بتأثيرها بشكل ملحوظ, ورغم هذا يمكن أن تؤثر على إشارات الأقمار الصناعية, ما قد تسبب بأعطال في أنظمة الملاحة والاتصالات.

ماذا لو تكرر حدث كارينغتون؟

إذا تعرضت الأرض لحدث كارينغتون اليوم يعتقد الخبراء أن النتائج ستكون كارثية, حيث ستعيد الحضارة البشرية والعالم مئات السنين إلى الوراء ما يشبه العصور الوسطى. يتوقع الخبراء أنه لو انطلقت عاصفة شمسية ضخمة مشحونة بالبلازما المغناطيسية نحو الأرض كما حدث في عام 1859م سيكون المجال المغناطيسي للأرض غير قادر على صدها وتشتيتها, ما قد تسبب في إتلاف وتعطيل كافة أنظمة الاتصالات والملاحة الالكترونية ومولدات الطاقة الكهربائية في كافة أنحاء العالم, مما ينتج عنه انقطاع الكهرباء عن قارات بأكملها وسيغرق ملايين السكان في ظلام دامس.

الحقيقة أنه لم تكن هذه الحادثة فقط التي أصابت الأرض, ففي عام 1982م ضربت عاصفة شمسية ضخمة مقاطعة كيبيك الكندية لكنها كانت اضعف بكثير من حدث كارينغتون, وعلى الرغم من ذلك دمرت تلك العاصفة الشمسية كافة المحولات الكهربائية بالمحافظة, وخلفت ورائها ستة مليون شخص بلا كهرباء لمدة تسع ساعات, في ظل درجات حرارة منخفضة مع تعطل أنظمة التدفئة في المنازل.

وفي عام 2012م حدثت عاصفة شمسية أخرى كانت قوتها تساوي قوة حدث كارينغتون, والتي تعادل عشرة مليار قنبلة نووية, وكادت أن تحدث الكارثة ولكن لحسن الحظ وصلت تلك العاصفة الشمسية إلى مدار الأرض بتأخير قدره تسع أيام كانت كفيلة بإضعاف هذه العاصفة, وقد نجا كوكب الأرض وسكانه بأعجوبة من هذه العاصفة.

أضرار العاصفة الجيومغناطيسية على الأرض


حدث كارينغتون.. والخوف من عاصفة شمسية  قد تدمر الحضارة البشرية
محولات الجهد العالي التي قد تدمر اذا ضربت عاصفة شمسية الأرض

إذا ضربت عاصفة شمسية الأرض في أيامنا هذه فستكون الخسائر كما ذكرنا سابقاً كارثية, أولها ستسري التيارات الكهربائية القوية الناتجة عن العاصفة الجيومغناطيسية في محولات الجهد العالي في جميع أنحاء العالم وفي نفس الوقت, مما قد يؤدي إلى تدمير شبكة الكهرباء بالكامل, أما عن إصلاح أو استبدال محولات الجهد العالي وشبكات الكهرباء يتوقع الخبراء أن الأمر سيستغرق شهورا إن لم يكن سنوات طويلة كي تعود لنفس كفاءتها السابقة, المشكلة الأكبر أن كل شيء يعتمد على الكهرباء سيتوقف ويصاب بالشلل التام.

ستتوقف عن العمل كافة محطات تحلية المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي, ولن تتمكن حينها المرافق الطبية مثل المستشفيات والعيادات ومصانع الأدوية من توفير الرعاية الصحية أو إنتاج اللقاحات والأدوية اللازمة للمرضى, وستتعطل أنظمة المرور في الكثير من الدول ما قد ينتج عن ذلك فوضى عارمة في شوارع المدن, فضلاً على عدم القدرة على حفظ وتجميد الخضروات واللحوم, وتعطل توزيعها من مواقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك.

وبسبب فشل الأقمار الصناعية ستتعطل خدمات الاتصال وشبكات الانترنت, مما يؤدي إلى توقف خدمات البث الإذاعي وشبكات الهاتف المحمول وكذلك الخطوط الأرضية, كما ستتعطل الأنظمة الالكترونية للبنوك والمؤسسات الخدماتية الحكومية والشرطية, وستتوقف كافة المطارات عن العمل, كما ستتعطل المصانع الإنتاجية, مما يؤدي إلى شح السلع في الأسواق إلى اجل غير مسمى.

المخيف في هذا السيناريو المرعب أنه قد يستمر لسنوات عديدة, فالأوضاع ستكون مشابهة لأحداث نهاية العالم مثل ما نراها في الأفلام, وسيعود العالم كما كان في العصور القديمة كل بلد منعزل عن الآخر, والأخبار التي كنا نعرفها في نفس وقت حدوثها ونتابعها الدقيقة بالدقيقة سنعرفها متأخرة جدا بعد حدوثها بأسابيع أو بعد شهور, لعدم وجود انترنت أو شبكات تواصل.

وبحسب العلماء فإن الخسائر المادية المتوقعة في حالة التعرض لحدث كارينغتون الناتج من عاصفة شمسية جيومغناطيسية قوية في أيامنا الحالية ستتراوح بين تريليون إلى أثنين تريليون دولار, هذا فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، لذا يمكنك تصور حجم الخسائر في بقية العالم.

هل يمكن التوقع بـ حدث كارينغتون قبل حدوثه؟


حدث كارينغتون.. والخوف من عاصفة شمسية  قد تدمر الحضارة البشرية
المراصد الأرضية التي تقوم بدراسة الشمس وتقوع العواصف الشمسية القوية قبل قدومها للأرض

الأخبار المطمئنة إلى نحو ما, هو أن اليوم يوجد العديد من الهيئات والمراكز العلمية في جميع أنحاء العالم, مهتمة وبشكل خاص بدراسة نشاط الشمس من أجل توقع العواصف الشمسية القوية, لتتفادى الأرض إصابتها بـ حدث كارينغتون قبل حدوثه, ولأجل هذا تم نشر العديد من المختبرات والمراصد المدارية في الفضاء, لدراسة المتغيرات في المجال المغناطيسي للشمس وقوة الرياح الشمسية ومعدل البقع على سطح الشمس.

من المتوقع ألا تزيد فترة التنبؤ بحدث كارينغتون عن 24 ساعة قبل حدوثه, وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً سيتعين على كافة حكومات العالم التنسيق معاً لإغلاق جميع محولات الطاقة في كافة الدول حول العالم وفي نفس الوقت قبل أن يضربها حدث كارينغتون, وذلك لحماية المحولات الكهربائية من التلف إثناء الحدث ثم إعادة تشغيلها بعد مرور العاصفة الجيومغناطيسية, ويبقى السؤال هل حكومات العالم قادرة على التنسيق معا خلال 24 ساعة فقط ؟.

السؤال الآن ليس ما إذا كان حدث كارينغتون سيحدث أم لا وما قد يسببه من دمار على الحضارة البشرية للأرض, لأنه بالفعل سيحدث عاجلاً أم أجلاً, كما حدث في الماضي ولكن السؤال متى سيحدث؟

الأخبار المطمئنة هي أن العلماء يعتقدون أن حدث كارينغتون يحدث كل 150 سنة تقريباً, ما يعني هذا انه سيحدث في عام 2162م أي بعد 141سنة من الآن.

في ختام مقالتنا تلك نستطيع أن نقول أننا معرضون بأي لحظة لعاصفة شمسية قد تهدم كافة ما بنيناه من حضارةٍ ه. إن "حدث كارينجتون" له دوره الخاص في تذكيرنا بقوة الكون وقدرته على التأثير على حياتنا.
 
يجب أن نعي حقيقة أن عالمنا مكتظ بالتكنولوجيا والتواصل الحديث، ولكن في الوقت نفسه نظل عُرضة لقوى طبيعية هائلة قد تعصف بتلك التكنولوجيا وتتركنا في حالة لا يرثى لها. إن الاستعداد والبحث عن وسائل لحماية بنياننا الحضاري يجب أن يكون في صدارة أولوياتنا.
 
وعلى الرغم من تخوفنا من عاصفة شمسية مدمرة، يمكن أن يكون لهذا التحدي أيضًا جوانب إيجابية. إنه ربما يكون فرصة لاتحادنا كبشرٍ ويذكرنا بأهمية التعاون والتضامن في مواجهة التحديات الكبرى. إن تطوير تكنولوجيا حماية الأمن السيبراني والبنية التحتية للاتصالات يمكن أن يكون ضمانًا لاستمرار حضارتنا في مواجهة مخاطر العواصف الشمسية, مثلما حدث في كارينجتون.

إن حماية حضارتنا وتقدمنا التكنولوجي هي مسؤوليتنا المشتركة، وإذا تعاملنا بهذا الوعي، فإننا سنبني مستقبلًا أكثر استدامة وأمانًا للأجيال القادمة.



عن الكاتب

مدير التحرير علاء إرشي "جودة" كاتب ومصمم محتوى مستقل حاصل على شهادات جامعية في الإعلام والعلاقات العامة, أعمل حالياً في التصميم والتدوين الإلكتروني والكتابة الإبداعية والأدبية والتسويق الإلكتروني والتحليل الرقمي وإدارة الصفحات الإلكترونية ومالك حصري لموقع moohim.com

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

moohim | لكل شيء مهم